الأرزاق بيد الله

الرزق بيد الله

عزيزى القارىء,الارازق بيد الله و الناس يُخطئون حين يظنون ويُحجِّمون الرزق في المال وحده، فالرزق عندهم هو الغِنَى وكثرة المال، لكن الصواب أن نقول: الرزق هو كل شيء يُنتفع به وتستفيد منه، وعليه فالعلم رزق، والحلم رزق، والأمانة رزق، والصحة رزق..

الأرزاق بيد الله وحده

كتب عمرو دسوقى هريدى

عمرو دسوقى هريدى
عمرو دسوقى هريدى
ينبغي على الغني الذي رُزِق المال الوفير أنْ يسأل نفسه حين يرى فقيراً: يا ترَى ما رزق هذا الفقير؟ وبم تميَّز عني؟ ربما كان رزقه في عقله أو في أدبه أو في حلمه أو في سمعته الطيبة بين الناس أو في عافيته.
وسبق أنْ قلنا: إن مجموع المواهب عند أيِّ إنسان تساوي مجموع المواهب عند الآخر، فهذا عنده المال بنسبة عشرة على عشرة، لكنه حُرِم نعمة الولد بنسبة صفر على عشرة وهكذا؛ لأن الخَلْق صنعة الله فكلهم سواسية .إذن: علام يوجد التمييز بين واحد وآخر؟ نقول: الرزق يحتاج إلى جهات متعددة؛ لذلك يوزع الرازق سبحانه الأسباب فلا تستقيم الحياة إنْ كان الناس جميعاً أغنياء، أو كان الناسُ جميعاً عقلاء أو علماء؛ لأن العقل الواحد مثلاً يحتاج إلى أكثر من جارحة من الجوارح تخدم تفكيره، فالمهندس مثلاً حين يرسم تصميماً لعمارة سكنية، هو مهندس واحد لكن يحتاج إلى كم عامل لتنفيذ هذا العمل، ولخدمة هذه الفكرة الهندسية، فالعامل البسيط الذي يحفر الأرض لوضْع الأساس عنده من المواهب ما ليس عند المهندس، وهكذا تُوزَّع المواهب وتُوزَّع الأرزاق.
والرزق قد يكون بزيادة الدخل، وقد يكون سلباً بنقص المنصرف، فنجد مثلاً رجلاً راتبه الشهري قليل ويتعجب الناس كيف يعيش بهذا الراتب ، ونسوا أن المهم في الرزق أن يكون من الحلال، فالله يبارك في القليل منه، حتى يحلّ محل الكثير، فتجد هذا الرجل مثلاً إذا مرض ولده يكفيه قرص أسبرين والأم تعد له كوب شاي ويُشفى الولد بإذن الله.
الرزق بيد الله
الرزق بيد الله
وانظر إلى الناس ترَ منهم الغوّاصين الذين جعل الله خبزهم وخبز عيالهم في قرارات البحار فلا يصلون إليه حتى ينزلوا إلى أعماق الماء، والطيارين الذين وضع خبزهم فوق السحاب فلا يبلغونه حتى يصعدوا إلى أعالي الفضاء، ومَن كان خبزه مخبوءاً في الصخر الأصمّ فلا يناله إلاّ بتكسير الصخر، ومَن رزقه في المناجم العميقة التي لا ترى وجه الشمس ولا بياض النهار، ومَن يأخذه بيده أو برجله أو بلسانه أو بعقله، ومَن لا يصل إلى الخبز إلاّ ببذل روحه وتعريض مهجته للهلاك، كلاعب (السِّرْك) الذي يترصّده الموت في كل مكان، فإن لم يدركه ساقطاً على رأسه أدركه وهو بين أنياب الأسد أو تحت أرجل الفيل!
اعلم -بعدُ- أن كل حال إلى زوال، فلا يفرحْ غني حتى يطغى ويبطر ولا ييأسْ فقير حتى يعصي ويكفر، فإنه لا فقر يدوم ولا يدوم غنى، وكم من رجال نشؤوا على فرش الحرير وشربوا بكؤوس الذهب، وورثوا كنوز المال، وأذلوا أعناق الرجال وتعبّدوا الأحرار، فما ماتوا حتى اشتهوا فراشاً من صوف يقي الجنب عَضَّ الأرض ورغيفاً من خبز يحمي البطن من قرص الجوع.
وآخرون قاسوا المِحَن والبلايا وذاقوا الألم والحرمان وطووا الليالي بلا طعام، فما ماتوا حتى ازدحمت عليهم النعم وتكاثرت الخيرات، وصاروا من سُراة الناس.
وهل في الدنيا غني لم يكن -يوماً- أو لم يكن أبوه أو جدّه فقيراً؟ وكم في الدنيا من فقير صار أو صار ولده أو حفيده ربّ الملايين!
فلا ييأس أحد؛ فربما صار ابنُ فرّاش المحكمة رئيسَها وصار ابنُ الرئيس فرّاشها، وغدا ولد صاحب الأرض فلاحاً يشتغل بطعام يومه.
وإنما هي الأيام يداولها الله بين الناس، ككرة الملعب: ما تكون بيدك إلاّ ريثما تنتقل إلى غيرك. والعمر كله ماضٍ، فهل يبقى لك المال إن ذهبت الحياة؟
وسيسوّي الموت بين الأحياء جميعاً: الغني والفقير في نظر الدود سواء، والمالك والأجير، والصعلوك والأمير، والكبير والصغير؛ كلهم يصير إلى البلى والانحلال، ثم يلقى السعادة الدائمة أو الشقاء الخالد.
قم في المقبرة تَلْقَ قبراً يشمخ بأنفه كِبراً على القبور، يُزْهى بالرخام المجزَّع المنقوش ويضحك بالزهر والورد، وآخر متعثراً بالطين يئن تحت أقدام السائرين، وقبراً ثالثاً قد مات كما مات من فيه فعاد القبر تراباً في الأرض… تتفاوت المظاهر ولكن اتحدت البواطن، فما فيها كلها إلاّ رمم بالية وعظام نخرة، لا تختلف رمة عن رمة ولا عظام عن عظام، ولا تميز جمجمة الملك من جمجمة الصعلوك ولا ساق القاضي الذي حكم من ساق المجرم الذي حُكِمَ، وما ردَّ قبرٌ الحياةَ على ميت.
ما يبقى للميت إلاّ الذكر في الدنيا والعمل للآخرة. وما الذكر -إن حققت- وما الشهرة إلاّ خدعة كبرى ليس وراءها شيء، سراب.والعمل الصالح هو وحده الباقي, وغدا سيفنى وصدق الشاعر إذ يقول :
فلا تجزع وإن أعسرت يوما ** فقد أيسرت في الزمن الطويل
ولا تيئس فإن اليأس كفر ** لعل الله يغني من قليل
ولا تظنن بربك غير خير ** فإن الله أولى بالجميل

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى